ظاهرة الشعر الحديث، الفصل الثّاني: تجربة الغربة والضياع
recent
مشاركات ساخنة

ظاهرة الشعر الحديث، الفصل الثّاني: تجربة الغربة والضياع

الفصل الثّاني: تجربة الغربة والضياع
(شعر التفعيلة)

ظاهرة الشعر الحديث، الفصل الثّاني: تجربة الغربة والضياع

العوامل السياسية و الاجتماعية و الثقافية:

     سيبدأ المجاطي هذا الفصل من كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" بالحديث عن العوامل التي ساهمت في تطوير الشعر العربي، فقد كان لهزيمة العرب سنة 1948 أثر سلبي على الوجود العربي جعلته يعيد النظر في كل شيء، و يسير على مبدإ الشك في كل شيء. فتوجهت التهم إلى كل ما هو تقليدي تراثي، الشيء الذي أزال صفة القداسة عن الماضي. فانفتح الشاعر العربي على الفلسفات و الأفكار الغربية الجديدة، و الاتجاهات النقدية المعاصرة ليمزجها بثقافته و فكره، و يحلل بها واقعه. و اطلع على الديانات الشرقية و المذاهب الصوفية  و التجارب الشعرية الغربية، و التراث العربي، علاوة عن اطلاعه على الأساطير و الحكايات القديمة...

      فالتقت هذه الثقافة الواسعة بتجربة الشاعر لتولد معاني الألم و اليأس و الأمل. وقد لاحظ المعداوي أن هناك تجربتين  تهيمنان على شعر التفعيلة هما:

ـ تجربة الغربة و الضياع: سيخصص لها الفصل الثاني.

ـ تجربة الحياة و الموت: سيخصص لها الفصل الثالث.

ظاهرة الشعر الحديث، الفصل الثّاني: تجربة الغربة والضياع

أ ـ الغربة في الكون:

   لقد طُرِد الإنسان العربي من أرضه، و نُفِيَ من أمجاده و حاصرته المهانة، والذلّ، حتى سيطر عليه مبدأ الشك في كل شيء. يقول أدونيس:

يكفيك أن تعيش في المتاه

منهزما أخرس كالمسمار

   فهو كون موبوء، و أرض بلا خالق، بلا حدود بلا دفء، لا يعرف الشاعر أين يمشي، لذلك تمنى الخلاص بالموت. يقول عبد الوهاب البياتي:

و ها أنا أنام

منتظرا فجر خلاصي ساعة الإعدام

   فالشاعر العربي أصبح يعيش غريبا في عالمه يحس باليأس و الضياع و الكآبة...

ب ـ الغربة في المدينة:  

   مثلت المدينة الوجه الحضاري للأمة العربية مع فقدانها للأصالة، فقد أصبحت لباسا مليئا بالغربة والحزن، فهي مدينة بلا قلب، يثقلها الزمن و أنوار الإعلانات و الشوارع المزدحمة...، فهي وحش بدون قيم.

   فالمدينة إذن هي ذلك الوجه الحضاري المرعب الذي حاصر الشاعر من كل جانب و زاد في غربته وضياعه و معاناته. و قد سلك الشاعر سبلا مختلفة في وصفه للمدينة منها:

أـ تصويره للمدينة في ثوبها المادي الخالي من القيم الإنسانية، يقول: حجازي:

رسوت في مدينة من الزجاج و الحجر

الصيف فيها خالد ما بعده فصول

ب ـ تصويره لسكانها: صامتون يثقلهم الإحساس بالزمن...، يقول صلاح عبد الصبور في قصيدته "أغنية الشتاء":

في زحمة المدينة المنهمرة

أموت لا يعرفني أحد

ج ـ الغربة في الحب:

    إذا كان الشاعر الحديث قد فشل في خلق علاقة توافق مع المدينة و من فيها، فإنه سيفشل كذلك في تحقيق سعادته عن طريق الحب. لأنه أصبح يعيش مهموما و بنفسية معقدة، لم ينفع معها الحب في جانبيه الروحي و الجسدي، فعلى مستوى الجسد فشل الشاعر في الوصول إلى كنه المرأة و جوهرها من أجل تحقيق الذات، لأن الحب تحول لعداوة قاتلة، يقول خليل حاوي:                  

و كيف أصبحنا عدوين،

                                                و جسم واحد يضمنا، نفاق.

    فالمرأة بجمالها و رقتها لم تنجح في تخليص الشاعر من همومه القاتلة، فقد أصبحت كالمدينة يسودها الحزن و اليأس. أما على مستوى الروح فقد تحول إلى دمار و خراب في ظل انحطاط الواقع العربي، و لم يعد يعني الحب شيئا، فأصبح الإنسان بلا قلب. يقول عبد الصبور:

أشقى ما مر بقلبي أن الأيام الجهمة

جعلته يا سيدتي قلبا جهما

د ـ الغربة في الكلمة:

    لم تعد الكلمة ذلك السلاح الذي يقف في وجه الظلم، فقد تحولت إلى حجر جامد لا يغير شيئا.





author-img
موقع عالم اللغة العربية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent