تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة تكسير البنية، الامتحان الوطني 2017، للشاعر فاروق جويدة، "وأتيت يوما للمدينة..."
recent
مشاركات ساخنة

تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة تكسير البنية، الامتحان الوطني 2017، للشاعر فاروق جويدة، "وأتيت يوما للمدينة..."

تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة تكسير البنية، الامتحان الوطني 2017، للشاعر فاروق جويدة، "وأتيت يوما للمدينة..."

تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة تكسير البنية، الامتحان الوطني 2017، للشاعر فاروق جويدة، "وأتيت يوما للمدينة..."

                                                                                    الشعبة أو المسلك:............ المستوى: .............


امتحانات البكالوريا



   


                                      مادة:...................................

                                      في: ............. بتاريخ: .............

                                      الاسم العائلي للمترشح: ..............

                                     الاسم الشخصي: .......................

                                     تاريخ ومكان الازدياد: ................



امتحانات البكالوريا

                                             مادة: ..................................

               الشعبة أو المسلك: ....... المستوى: ........

                 التقدير المفسر للنقطة:.....................



اسم و توقيع المصحح (ة) :................................. المؤسسة:....................... التوقيع:................................

أولا: درس النصوص

                            خطاب تكسير البنية حركة شعرية حديثة، ظهرت أواخر الأربعينيات من القرن العشرين مع كل من نازك الملائكة  بقصيدتها "الكوليرا"، و بدر شاكر السياب بقصيدته "هل كان حبا" سنة 1947. و قد جاءت من أجل استكمال ما قد بدأته حركة سؤال الذات، حيث قامت بتكسير البنية التقليدية القائمة على أساس البيت، و خلق نظام جديد يقوم على نظام السطر الشعري و التفعيلة؛ أما على مستوى المضمون فقد ركزت على وصف الواقع العربي، و ما يعيشه الإنسان العربي من غربة و ضياع و معاناة. و من أهم العوامل التي ساهمت في ظهورها نذكر: النكبة الفلسطينية، و الاستعمار الغربي للدول العربية، إضافة إلى نشوء حركات وطنية تحررية، و كذا تدهور الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية، ونتائج الحربين العالميتين، علاوة عن تأثر الشعراء ببعض الفلسفات الغربية  كالاشتراكية  والوجودية، فضلا عن التأثر ببعض الشعراء و الروائيين الغربيين...

    و من أبرز رواد هذه الحركة نذكر: بدر شاكر السياب، وأدونيس، وأحمد عبد المعطي حجازي، وأحمد المعداوي، إضافة إلى صاحب النص الشاعر المصري فاروق جويدة، ويعتبر من أبرز رواد هذه الحركةو النص قيد التحليل عبارة عن قصيدة شعرية حديثة، تعتمد على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، و نظام التفعيلة، مأخوذة من "المجموعة الكاملة" للشاعر فاروق جويدة

 ـ ترى ما مضمون هذه  القصيدة ؟ و كيف عبر الشاعر عن تجربته الشعرية؟ 

 ـ و ما الوسائل اللغوية و الفنية التي وظفها الشاعر؟ و ما وظيفتها في النص؟ 

 ـ  و إلى أي حد استطاع هذا النص أن يمثل خصائص خطاب تكسير البنية؟ 

     من خلال الملاحظة البصرية، و قراءتنا لبداية النص و نهايته، و كذا بعض المؤشرات الدالة (المدينة ـ كالغريب ـ الزحام ـ أحزانها ـ الحزين...)، نفترض أن النص عبارة عن قصيدة شعرية تعتمد بنية جديدة قائمة على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، و نظام التفعيلة، مع التنويع في القافية و الروي؛ مضمونها التعبير عن غربة الشاعر وضياعه في المدينة، تنتمي لحركة تكسير البنية.

 

           يعبر الشاعر في هذه القصيدة عن غربته وضياعه في المدينة، حيث يستهلها بإعلان قدومه إليها، ووصف إحساسه بالغربة و الضياع، لينتقل بعد ذلك إلى وصف مظاهر الغربة فيها، فهي مدينة حيرى يعمها الحزن، مخنوقة الأنفاس، وأشجارها صفراء، وطرقاتها سوداء، ويغلب عليها الازدحام؛ خاتما قصيدته بوصف سكانها الذين أثقلهم الإحساس بالزمن، فهم يسكنون في مقابر، وينزفون بالألم، ويضطرون للفرار إلى الموتى بحثا عن الهدوء.

    و يمكن تقسيم هذه القصيدة إلى ثلاث وحدات دلالية: فالوحدة الأولى تبدأ  من السطر الشعري الأول، وتنتهي في السطر الشعري الرابع، وفيها يصور الشاعر غربته و ضياعه في المدينة؛ أما الوحدة الثانية فتمتد من السطر الشعري الخامس إلى السطر الشعري الثاني عشر، وفيها يصف المدينة الحيرى المزدحمة، وأطفالها مجهولي الهوية، وأشجارها الصفراء، و طرقاتها السوداء؛ بينما الوحدة الأخيرة فتطال ما تبقى من النص، و فيها يصور الشاعر سكان المدينة، الذين يثقلهم الإحساس بالزمن والزحام؛ حيث يضطرون إلى الفرار إلى عالم الموتى بحثا عن الراحة والهدوء.

   و بناء على القراءة الأفقية للقصيدة يمكن تقسيم معجم  القصيدة إلى حقلين دلاليين هما: حقل دال على الشاعر، و من الألفاظ و العبارات الدالة عليه نذكر: أتيت ـ كالغريب ـ أبي ـ مسامعي ـ يهزني ـ مضجعي...، و حقل  دال على المدينة، و من الألفاظ و العبارات الدالة عليه نجد: المدينة ـ الزحام ـ الضباب ـ الحيرى ـ أحشاؤها ـ أحزانها ـ أنفاسها ـ طرقاتها...؛ والعلاقة بين الحقلين هي علاقة نفور و توتر، مع هيمنة الحقل الدال على المدينة، لأن الشاعر يصف سبب معاناته، وهو المدينة التي سببت له الحزن و الغربة والضياع.

   و قد وظف الشاعر معجما سهلا تقترب لغته من لغة  الحديث اليومي، و مثال ذلك: المدينة ـ الضباب ـ رماد...، الشيء الذي يبرز رغبة الشاعر  في تجديد  وسائله التعبيرية.

    أما على مستوى الشكل فقد اعتمدت  القصيدة على بنية جديدة تقوم على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، ونظام التفعيلة، حيث اعتمد الشاعر على تفعيلة بحر من البحور الصافية (الكامل)، وهي (مُتَفَاعِلُنْ)، مع التنويع فيها باعتماده على الزحافات بكثرة، كما يظهر من خلال التقطيع التالي:

وَأَتَيْتُ يَوْما لِلْمَدِينَةِ كَالْغَرِيبْ

وَأَتَيْتُ يَوْمَنْ لِلْمَدِينَةِ كَلْغَرِيبْ

 ااا0اا0  ا0ا0اا0  ااا0اا00

مُتَفَاعِلُنْ مُتْفَاعِلُنْ مَتَفَاعِلَانْ

    و قد عبر الشاعر عن تغيرات أحاسيسه بالتنويع في القافية والروي، حيث زاوج بين القافيتين المقيدة، مثل: "رِيبْ ا00"، و المطلقة، مثل: "مَضْجَعِي ا0اا0"، مع هيمنة الأولى تعبيرا عن حزنه و معاناته. كما وظف القافية المركبة ومثالها الأسطر الشعرية الخمسة الأولى: "الغريبْ ـ ...ـ ضبابْ"، والقافية المتتابعة و مثالها السطران الشعريان العاشر والحادي عشر: "بالسجينْ ـ الحزينْ"، فضلا عن تنويعه في الروي حيث نجد: الباء، والعين، والميم، واللام، والسين، والراء، والثاء...، الشيء الذي يبرز تقلب أحاسيس الشاعر، و حرصه على احترام خصائص الدفقة الشعورية. و قد ساهم هذا التنويع في الإيقاع في خلق نغمة موسيقية تناسب حالة الشاعر وما عاشه من غربة ومعاناة وضياع.

     كما نلاحظ أن الشاعر فاروق جويدة قد استطاع خلق نغمة إيقاعية داخلية تناسب مضمون القصيدة، من خلال تكرار بعض الصوامت مثل: التاء، والنون، والحاء، والهاء، الشين، واللام...، وأغلبها صوامت مهموسة عبرت عن معاناة الشاعر وغربته، إضافة إلى تكراره لبعض الصوائت مثل: الياء، و الكسرة...، مما سمح للشاعر للتعبير عن انكساره، وامتداد معاناته، علاوة عن تكراره لبعض الكلمات مثل: المدينة ـ الضباب ـ الزحام ـ دم ـ الكلام ـ الدنيا...، و هي كلمات تلخص لنا مضمون القصيدة و تجربة الشاعر المأساوية في المدينة.

     كما اعتمد الشاعر على خاصية التوازي الإيقاعية التي أغنت التناغم الإيقاعي في القصيدة، ومثالها الأسطر الشعرية: " 6ـ7ـ8ـ9ـ10ـ11ـ12"، وهو توازي مقطعي مزدوج، جاء على المستوى النحوي والتركيبي، والصرفي.

  و قد ساهم الإيقاع بنوعيه، الخارجي و الداخلي، في خلق جمالية تعبيرية تناغمت مع انفعالات الشاعر وأحاسيسه وتجربته الشعرية، وعبرت عن دفقاته الشعورية، وما عاشه من غربة وضياع.

    و من أجل  تصوير الشاعر لتجربته الشعرية فقد عمد إلى توظيف صور شعرية  نابعة من التجربة الذاتية للشاعر و من واقعه المأساوي، تتفاعل فيما بينها لخلق صورة كلية تتجاوز جزئية الصور التقليدية النمطية، باعتماده على الانزياح، وبتوظيفه للاستعارة بكثرة، ومثالها السطر الشعري السادس، حيث استعار الشاعر خاصية إنسانية، وهي أحشاؤها حبلى، وأسقطها على المدينة، فالمستعار منه محذوف، والمستعار له هو المدينة، والجامع هو الألم، وهي استعارة مكنية؛ إضافة إلى التشبيه ومثاله السطر الشعري العاشر، حيث شبه الشاعر أنفاس المدينة بالقيد، فالمشبه هو الأنفاس، والمشبه به هو القيد، و الأداة هي الكاف، ووجه الشبه محذوف، وهو تشبيه مرسل، ومجمل. كما استعان الشاعر بأدوات تعبيرية جديدة كالانزياح ومثاله السطر الشعري الثاني، فضلا عن الإيحاء "أشجارها صفراء و الخيال.

   و وظيفة هذه الصور  تعبيرية إيحائية؛ و قد جاءت كصورة واحدة مركبة لخصت لنا تجربة الشاعر المأساوية.

 

           من خلال تحليلنا للنص السابق نستنتج أن الشاعر فاروق جويدة قد أراد أن يصف غربته وضياعه في المدينة، حيث استهل قصيدته بوصف غربته و حزنه، ثم انتقل بعد ذلك إلى وصف المدينة وأنفاسها، وأشجارها، وطرقاتها؛ ليختم قصيدته بتصوير معاناة سكانها بسبب الزحام و ثقل الزمن.

    و قد نجح في ذلك باعتماده على بنية جديدة قامت على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، مع التنويع في القافية و الروي، كما نظم قصيدته على تفعيلة بحر من البحور الصافية (الكامل)، وهي "مُتَفَاعِلُنْ"، إضافة إلى توظيفه لمجموعة من الصور الشعرية ذات الوظيفة الإيحائية كالتشبيه و الاستعارة، و توظيفه لأدوات تعبيرية جديدة كالانزياح و الإيحاء...، وتوظيفه لمعجم سهل يغلب عليه حقل الغربة في المدينة.

    و كل هذه الاستنتاجات تؤكد لنا صحة الفرضية السابقة بأن النص عبارة عن قصيدة شعرية  اعتمدت بنية إيقاعية وهندسية جديدة، قامت على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، ونظام التفعيلة، مع التنويع في القافية و الروي، كان مضمونها التعبير عن الغربة والضياع، وصف المدينة الكئيبة، وسكانها المعذبين، تنتمي لحركة تكسير البنية.

    و قد نجح الشاعر إلى حد كبير في تمثيل خصائص خطاب تكسير البنية على مستويي  المضمون و الشكل، فعلى مستوى المضمون عبر الشاعر عن مضامين جديدة تتعلق بالغربة في المدينة، كما تميزت القصيدة بالوحدة العضوية. أما على مستوى الشكل فقد اعتمد الشاعر على بنية هندسية و إيقاعية جديدة اعتمدت على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، ونظام التفعيلة، وتوظيفه لمعجم سهل إيحائي، واستعانته بوسائل تعبيرية جديدة كالانزياح...، فضلا عن استعماله لصور شعرية ذات وظيفة تعبيرية إيحائية؛ ليتجاوز بذلك النظام و الشكل القديمين، و ينجح في خلق نظام و شكل جديدين يناسبان تجربته الشعرية.





author-img
موقع عالم اللغة العربية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent