البعد الاجتماعي في رواية "اللص و الكلاب": الوقائع، والفئات، والمظاهر، والدلالات الاجتماعية والتاريخية
1ـ ما المقصود بالبعد الاجتماعي؟
يهتم هذا المنظور بدراسة
الوقائع الاجتماعية و التاريخية في النص السردي، بربط الرواية بسياقها التاريخي، و بنسقها الاجتماعي. لذلك، سنقوم برصد
الظواهر المتعلقة بمجتمع الرواية وفئاته، و خلفية الرواية الاجتماعية و التاريخية.
فقد اشتهر نجيب محفوظ في
مجمل رواياته، بتصوير الواقع الاجتماعي المصري
الذي يغلب عليه طابع
المعاناة و البساطة و الفقر و الظلم و الفساد و التهميش...، و هذا ما لمسناه في رواية
"اللص و الكلاب".
2ـ الوقائع التاريخية و الاجتماعية:
استوحى نجيب محفوظ مادته الروائية من واقعة
حقيقية للسفاح محمود أمين سليمان ـ في بداية الستينيات من القرن العشرين ـ الذي اضطرته الظروف القاسية إلـى السرقة، فتعرض للخيانة من أقرب الناس إليه، و دخل
السجن، و عندما خرج أصر على الانتقام، فروع القاهرة، و ملأت أخباره الجرائد المصرية، و ارتكب عدة جرائم. و قد أصبح بطلا في أعين
الكثير من المصريين، لأن الشرطة عجزت عن القبض عليه حتى قتلته أثناء المطاردة.
و قد استندت رواية اللص و الكلاب على هذه الواقعة التاريخية لصياغة الخلفية الاجتماعية و التعبير عن المجتمع المصري لما بعد ثورة 1952، التي رأى فيها المصريون أملا في الانعتاق من مشاكلهم، و القضاء على الفساد والفقر والظلم، إلا أنها سرعان ما ستتبخر هذه الآمال، لتتحول إلى معاناة حقيقية. و قد عبر نجيب محفوظ عن هذا الفشل بكونه خيانة تعرض لها المصريون من طرف دعاة الاشتراكية.
3ـ الفئات و المظاهر الاجتماعية:
تجسد هذه الرواية التفاوت الطبقي الذي عرفه
المجتمع المصري، خاصة في مرحلة ما بعد ثورة 1952، حيث تعكس مجموعة من الفئات الاجتماعية المتناقضة نذكر منها:
ـ فئة الأغنياء:
فئة تمتلك كل شيء، ويمثلها رؤوف علوان. وهي الفئة التي تعوّد سعيد
مهران على سرقتها قبل دخوله السجن. فهي في نظره جمعت
ثروتها على حساب الفقراء و عن طريق سرقة مجهودات
الآخرين. فأصحاب هذه الفئة في نظر البطل مجرد لصوص وخونة مساندين من قبل الدولة، لذلك فسرقتهم
مشروعة حسب البطل.
ـ فئة الخونة و الانتهازيين:
و هي فئة جمعت ثروتها عن طريق الاستغلال و الانتهازية، و حصلت على مكانة اجتماعية مهمة كرؤوف
علوان و عليش و نبوية...
ـ فئة الفقراء و المهمشين:
فئة تعيش حياة بسيطة ومتواضعة على هامش
المجتمع، و تفتقر لأبسط متطلبات العيش
الكريم. يمثلها في الرواية كل من نور التي اضطرت إلى امتهان
الدعارة، و طرزان الذي يعمل خارج القانون، و الشيخ الذي زهد في الدنيا، إضافة إلى
سعيد مهران الذي اضطر إلى امتهان السرقة. فالدعارة، و التجارة في الممنوعات، و السرقة، هي ظواهر اجتماعية نتجت عن مجتمع مريض دمرته القيم الرذيلة كالخيانة و
الانتهازية و النفاق و الفساد.
فنجيب محفوظ إذن ينتقد هذه القيم، و هذه
المظاهر الاجتماعية التي سادت في المجتمع المصري خاصة، و المجتمع العربي عامة...
4ـ التراتبية الاجتماعية:
إن التراتبية الاجتماعية مظهر من مظاهر التفاوت الاجتماعي الذي تستفيد منه فئة الخونة والانتهازيين داخل مجتمع الرواية. فهناك المؤسسة الرسمية التي تمثل الدولة، والمؤسسات الشعبية التي تمثل فئات المجتمع...