تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لإحياء النموذج، "لي في من مضى مثل"، محمود سامي البارودي
recent
مشاركات ساخنة

تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لإحياء النموذج، "لي في من مضى مثل"، محمود سامي البارودي

تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لإحياء النموذج

تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لإحياء النموذج، "لي في من مضى مثل"، محمود سامي البارودي

تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لإحياء النموذج، "لي في من مضى مثل"، محمود سامي البارودي
تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لإحياء النموذج، "لي في من مضى مثل"، محمود سامي البارودي

المقـدمـة:

      يعتبر خطاب البعث و الاحياء أول حركة نهضت بالشعر العربي بعد فترة طويله من الانحطاط، ساهمت فيها مجموعة من العواملكسيطرة الدولة العثمانية على أغلب الدول العربية، وفرض سياسة التتريك، إضافة إلى الاستعمار الغربي وظهور حركات وطنية تنادي بالتحرر، وأخرى سلفية تنادي بالأصالة والمعاصرة...

      فمنذ أواخر القرن التاسع عشر بدأ العالم العربي يعرف نهضة فكرية واسعة، تمثلت في ظهور تيارات فكرية دعت إلى ضرورة التحرر من ربقة الاستعمار، وتجاوز مظاهر الانحطاط و الجمود، ابتداء من الإصلاح الديني و السياسي و الاجتماعي، و ظهور حركة موازية في الأدب تمثلت في الرجو ع إلى التراث العربي القديم. وقد انطلقت من مبدأ الأصالة الذي تحول إلى شكل من أشكال التبعية السلفية الشعرية لكل من: البحتري، والمتنبي، وأبي أتمام...؛ تمثلت في سيادة الأغراض الشعرية القديمة، وطرائق الشعراء القدماء في التعبير، ومعارضة السلف الشعري بإحياء نموذج القصيدة القديمة...

        وهي أول حركة حاولت القضاء على مظاهر الجمود التي عرفها الشعر العربي، وما أصابه من تصنّع وزخرفة لفظية، وتلاعب بالألفاظ...، ومن أبرز رواد هذه الحركة نذكرمحمود سامي البارودي، وأحمد شوقي، ومعروف الرّصافي، وحافظ إبراهيم، وعلال الفاسي، ومحمد الحلوي...

إضافة إلى صاحب النص الشاعرمحمود سامي البارودي، الأب الروحي لحركة إحياء النموذج، وهو شاعر مصري من مواليد سنة 1839، ينتهي نسبه إلى الممالك الذين حكموا مصر، وقد اشتغل بالجندية، وتأثر بالشعر العربي القديم...، له ديوان يتضمن المدح والهجاء والفخر والحماسة...، وقد توفي سنة 1904.

     والنص قيد التحليل عبارة عن قصيدة شعرية عمودية البناء تعتمد نظام الشطرين المتناظرين، ووحدة القافية والروي، مأخوذة من ديوان الشاعر البارودي.

ü    ـ ترى ما غرض القصيدة؟ وكيف عبر الشاعر عن تجربته الشعرية؟ 

ü     وما الوسائل اللغوية والفنية التي وظفها الشاعر في سبيل ذلك؟  وما وظيفتها؟

ü    وإلى أي حد استطاع هذا النص أن يمثل خصائص الخطاب الذي ينتمي إليه؟ 

         من خلال الملاحظة البصرية وقراءتنا للعنوان(لي في من مضى مثل)، و بداية النص ونهايته، وكذا بعض المؤشرات الدالة(أسير ـ أشقر ـ الباترات ـ مشتعل ـ مقداما...) ،نفترض أن النص عبارة عن قصيدة شعرية عمودية البناء، تعتمد نظام الشطرين المتناظرين، و وحدة القافية والروى، غرضها الفخر، حيث يفتخر الشاعر بفروسيته و شجاعته، تنتمي لإحياء النموذج؟

العرض:

 يستهل الشاعر قصيدته بمقدمة غزلية يعبر فيها عن حنينه لأيام الشباب والصبا، معبرا في الآن ذاته عن رضاه بالقضاء والقدر، لينتقل بعد ذلك إلى الافتخار بفروسيته وشجاعته، وذلك من خلال وصف سيفه الحاد و سرعة صاحبه، و كذا وصف فرسه الجميل و السريع.  لينتقل بعد ذلك إلى وصف رحلة الصيد التي قام بها مع أصدقائه. خاتما قصيدته بمجموعة من الأمثال والحكم، مع دعوته إلى الأخذ بها، على غرار الشعراء القدماء.

    ويمكن تقسيم القصيدة إلى أربع وحدات دلالية: الوحدة الأولى تبدأ من البيت الأول وتنتهي في البيت الخامس، وفيها يعبر الشاعر عن حنينه لأيام الصبا والشباب؛ أما الوحدة الثانية فتمتد من البيت السادس إلى البيت الرابع عشر وفي هذه الوحدة يفتخر الشاعر بفروسيته وشجاعته، في حين أن الوحدة الثالثة فتمتد من البيت الخامس عشر وتنتهي في البيت الثامن عشر وفيها يصف الشاعر رحلة الصيد. بينما الوحدة الأخيرة فتطال ما تبقى من النص، وفيها يقدم الشاعر مجموعة من الحكم والأمثال. فالبارودي إذن اعتمد على بنية القصيدة القديمة التي تعتمد على تعدد الأغراض.

     وبناء على القراءة الأفقية للقصيدة يمكن تقسيم معجم  النص إلى ثلاثة حقول دلالية وهي: حقل دال على الفخر ومن الألفاظ و العبارات الدالة عليه نذكر: أسير ـ الباترات ـ الهول ـ مقداما ـ فتكته ـ يفل...، و حقل  دال على الوصف و من الألفاظ و العبارات الدالة عليه نجد: زرق جوفره ـ سود نواظره ـ مقداما ـ مشتعل ـ البيض ـ هطلاء ...، إضافة إلى حقل دال على الحكمة و من الألفاظ والعبارات الدالة عليه نذكر: الأدب المأثور ـ الأخلاق ـ علما ـ الريث ـ اتبع هواك...، والعلاقة بين هذه الحقول هي علاقة ترابط و تكامل، مع هيمنة الحقل الدال على الفخر باعتباره الغرض الرئيسي للقصيدة، أما علاقتها بنفسية الشاعر هي أنها تتضافر لتبرز "أنا" الشاعر المتضخمة و المفتخرة.

    وقد وظف الشاعر معجما تراثيا صعبا متح مفرداته من المعجم القديم، ذا لغة متينة، تتميز ألفاظها بالفخامة والجزالة على غرار الشعر القديم، فهو معجم قاموسي تراثي، ومثال ذلك: الباترات ـ اللمة ـ الصبا ـ السوام...، الشيء الذي يبرز رغبة الشاعر في تقليد الشعر القديم.

أما على مستوى الشكل فقد جاءت القصيدة عمودية البناء معتمدة نظام الشطرين المتناظرين. كما اعتمد الشاعر على إيقاع خليلي، حيث نظم قصيدته على بحر البسيط بعروض مخبونة وضرب مثلها.

   إضافة إلى اعتماده على وحدة القافية والروي، فقد وظف قافية مطلقة موصوله بالواو، مجردة من الردف والتأسيس، رويها اللام، وهي على الشكل التالي:

 هلهزلو -0---0.

       وقد حافظ الشاعر على ظاهرة إيقاعية قديمة وهي التصريع ونجدها في البيت الأول: الغزلُ/الهزلُ، الشيء الذي يبرز رغبة الشاعر في الاقتداء بالشعراء القدامى من خلال اعتماده على إيقاع تقليدي.

كما نلاحظ أن الشاعر البارودي قد استطاع خلق نغمة إيقاعية داخلية تناسب غرض القصيدة، من خلال تكراره لبعض الصوامت، مثل: اللام ـ الراء ـ الميم ـ الباء ـ الفاء ـ العين...، وأغلبها صوامت مجهورة تناسب غرض الفخر. إضافة إلى تكراره لبض الصوائت، مثل: الألف والفتحة والضمة، وهي صوائت تتسم بالقوة، ساهمت في التعبير عن ذات الشاعر المحتقنة بالفحولة. علاوة عن تكراره لبعض الكلمات، مثل: الفرس ـ الحب ـ مضى ـ يمنىأما العبارات والجمل فقد تكررت عبارة وحيدة وهي العنوان "لي في من مضى مثل".

   علاوة عن اعتماده على خاصية التوازي الإيقاعية ومثالها في البيت التاسع وهو توازي نسبي أفقي جاء على المستويين الصرفي والنحوي" زرق حوافره، سود نواظره، خضر جحافله"وقد أدى هذا الإيقاع وظيفة تعبيرية وجمالية...

ومن أجل  تصوير الشاعر لتجربته الشعرية فقد عمد إلى توظيف بعض الصور الشعرية التراثية  الحسية ذات النزعة البيانية كالتشبيه، ومثاله البيت الثالث عشر، حيث شبه  الشاعر السيف بالشعلة، فالمشبه هو السيف والمشبه به هو الشعلة، والأداة هي "كأن"، ووجه الشبه هو الخفة والسرعة، وهو تشبيه مرسل ومفصل أي تام.

 إضافة إلى استعماله للاستعارة، ومثالها البيت الثالث حيث استعار الشاعر خاصية إنسانية و أسقطها على الأزل، فالمستعار منه محذوف، وقد كنى عنه الشاعر بإحدى خصائصه و هي الكتابة، والمستعار له هو "الأزل"، والجامع هو حتمية المصير، وهي استعارة مكنية.

علاوة عن حضور المجاز و مثاله البيت الرابع عشر حيث ذكر الشاعر الجزء (الكف) وأراد الكل(اليدوهو مجاز مرسل علاقته الجزئيةوقد جمعت هذه الصور بين الوظيفة التعبيرية والوظيفة التزيينيه الجمالية، فهي تعكس حرص الشاعر على اتباع منهج الشعراء القدامى في التصوير البياني

   و من أجل إضفاء بعد جمالي على القصيدة، استعمل الشاعر بعض المحسنات البديعة كالطباق مثل: العجل    الريث، و هو طباق إيجاب. و الجناس، مثل: الغزل \ الهزل، وهو جناس غير تام...، و وظيفتها تزيينية على غرار الشعر القديم.

و إذا كان هدف الشاعر هو الافتخار بشجاعته و فروسيته، فقد دفعه ذلك إلى استعمال الأسلوب الخبري بكثرة، و وظيفته الإخبار؛ إضافة إلى استعماله لبعض الأساليب الإنشائية كالأمر و مثاله "واعرف"...، و وظيفة هذه الأساليب هي الإقناع و التأثير، فالشاعر يريد التأثير في المخاطَبوبالنسبة للضمائر فنلاحظ هيمنة ضمير المتكلم الذي يحيل على الشاعر، وضمير الغائب الذي يحيل على الفرس و السيف...

الخاتمة:

من خلال تحليلنا للنص السابق نستنتج أن الشاعر المصري محمود سامي البارودي أراد أن  يقدم نفسه باعتباره صورة مثالية للفارس الحكيم، من خلال افتخاره بفروسيته وشجاعته. حيث استهل قصيدته بمقدمة عاطفية عبر فيها عن شوقه لأيام الشباب، ثم انتقل بعد ذلك  إلى الافتخار بفروسيته و شجاعته، من خلال وصف فرسه و سيفه و رحلة الصيد، خاتما قصيدته بمجموعة من المواعظ و الحكم. وقد اعتمد على نظام الشطرين المتناظرين، ووحدة القافية و الروي، و اتباعه إيقاعا خليليا، حيث نظم قصيدته على وزن قديم و هو بحر البسيط، كما وظف ظاهرة إيقاعية قديمة و هي التصريع، إضافة إلى استعماله لمجموعة من الصور الشعرية كالتشبيه و الاستعارة...، و بعض المحسنات البديعية كالطباق و الجناس...، علاوة عن توظيفه لمعجم تراثي صعب و استحضاره لبنية القصيدة القديمة القائمة على تعدد الأغراض، فضلا عن مزاوجته بين الأسلوبين الخبري والإنشائيوكل هذه الاستنتاجات تؤكد لنا صحة الفرضية السابقة

    وقد نجح الشاعر إلى حد كبير في تمثيل خطاب إحياء النموذج شكلا ومضمونا، فعلى مستوى الشكل اعتمد الشاعر بنية القصيدة القديمة القائمة على نظام الشاطرين المتناظرين ووحدة القافية الروي، واعتمد على إيقاع خليلي بنظمه على وزن قديم، كما استعمل معجما قاموسيا تراثيا، إضافة إلى حضور النزعة البيانية بتوظيفه لصور شعرية حسية ذات وظيفة تزيينية. أما على مستوى المضمون فقد استحضر بنية القصيدة القديمة القائمة على تعدد الأغراض، مع اتخاذ غرض الفخر القديم غرضا رئيسيا. 



author-img
موقع عالم اللغة العربية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent