المنهج البنيوي، نص تطبيقي: "الأنساق و البنية"، للناقد كمال أبو ديب
تطبيق المنهجية السابقة في تحليل نص نقدي يطبق المنهج البنيوي

المقدمة:
يعتبر
المنهج البنيوي أهم منهج سيظهر في القرن العشرين؛ حيث ظهر في أوروبا في الخمسينيات،
واكتمل نضجه في الستينيات، و جاء كرد فعل على المناهج النقدية الخارجية، و النقد
الإيديولوجي الذي يفسر الظاهرة الأدبية عن طريق ربطها
بالأشياء الخارجية. و قد قام هذا المنهج على أسس لغوية متينة، مستعينا بمعطيات اللسانيات(علم اللغة)
التي أسسها العالم اللغوي "فرديناند
دي سوسير". فكان اكتشاف البنية في علم اللغة دافعا لرولان بارت، و تودوروف و
غيرهما، إلى الكشف عن عناصر
النظام في الأدب. كما استفادت البنيوية من أعمال الشكلانيين الروس، و النقد الجديد، و كذا الفلسفة الظاهراتية...
و
ركزت البنيوية على بنية العمل الأدبي لتكشف عن نظامه، من خلال تحليله تحليلا داخليا.
فهي إذن عبارة عن منهج
وصفي، يرى
في العمل الأدبي نصا
مغلقا على نفسه، له نظامه
الداخلي الذي
يكسبه وحدته. و اعتمدت على مجموعة من المفاهيم كالبنية، و النسق، و النظام، و الشعرية، و نظام المستويات...
و
قد انتقل هذا المنهج إلى
العالم العربي في بداية السبعينيات من القرن العشرين، بفضل المثاقفة مع الغرب، و الدراسات النقدية، و الترجمات
التي قام بها بعض النقاد كخالدة
سعيد، و
كمال أبو ديب، ومحمد برادة، و جابر عصفور، و سعيد يقطين، و يمنى العيد...
و من أبرز النقاد الذين
مثلوا هذا المنهج في العالم العربي، و عكفوا على تطبيقه في دراسة الأدب العربي
قديمه و حديثه، نذكر: يوسف نور عوض، وعبد السلام المسدي، ومحمد لطفي اليوسفي، وعز الدين حسن البنا، و إبراهيم السامرائي..،
إضافة إلى صاحب النص
الكاتب والناقد كمال
أبو ديب الذي
يعتبر من أوائل النقاد الذين طبقوا المنهج البنيوي في دراسة الأدب العربي. و النص قيد التحليل عبارة عن مقالة نقدية، مأخوذة من كتاب "الأنساق و البنية"،
مجلة فصول، المجلد الأول، العدد 4.
ـ ترى ما القضية التي يعالجها الناقد؟ و ما عناصرها؟
ـ و ما آليات المنهج البنيوي المعتمدة في تحليل القضية الأدبية؟
ـ و ما الطريقة
المعتمدة في بناء النص؟ و ما الأساليب الموظفة في عرض القضية؟ و ما مظاهر اتساق
النص؟
من خلال الملاحظة البصرية، و قراءتنا للعنوان (الأنساق و البنية)،
و بداية النص ونهايته، و مصدر النص، و كذا بعض المؤشرات الدالة: القصيدة ـ جملة الشرط ـ نسق ثلاثي ـ الثنائية ـ البنية...، نفترض أن النص عبارة عن مقالة نقدية تعالج قضية أدبية تتعلق بتحليل قصيدة شعرية
للشاعر "أدونيس"
بعنوان "أرض بلا ميعاد"،
بتطبيق مبادئ المنهج
البنيوي.
العرض:
يعالج الناقد "كمال
أبو ديب" قضية أدبية، و هي تحليل قصيدة شعرية للشاعر "أدونيس" بعنوان "أرض
بلا ميعاد"، بتطبيق مبادئ المنهج البنيوي
القائمة على وصف البنية اللسانية للنص. ومن
أهم عناصر هذه القضية كما وردت في النص نذكر: وصف بنية جملة الشرط في
القصيدة و عناصرها(لو + فعل
الشرط + جواب الشرط)، و علاقتها بالأداة "حتّى"، وكذا علاقتها بباقي
مكونات القصيدة الداخلية؛ و ذكر خصائص الجملة الشرطية المتمثلة في إثبات السكونية و تعميقها، و كذا الكشف عن الثنائيات داخل القصيدة و إبراز علاقتها
بالثبات؛ ليختم الناقد بكشف رؤيا القصيدة التي تؤكد الثبات و السكونية بالاعتماد على النسق التركيبي للقصيدة القائم على أساس جملة الشرط، و
الأداة "حتّى".
و قد اعتمد الناقد في وصف القصيدة الشعرية على مبادئ المنهج البنيوي الذي يركز على بنية النص الداخلية و نظامها اللساني، حيث ركز على المستويين النحوي و التركيبي للقصيدة من خلال وصفه لمكونات جملة الشرط التي تقوم على
الأداة "لو"،
و فعل الشرط الأصلي "رجعت
يا أوديس"، والأفعال الثانوية "ضاقت ـ احترق"، وجواب الشرط "تظل..."، وأبرز دور الأداة "حتّى" في خلق التوتر داخل الجملة؛ كما اعتمد على المستوى المعجمي من خلال إبراز دور
التكرار في تأكيد تلك الدلالة. لينتقل الناقد إلى إبراز الدلالة العامة للجملة، و هي تأكيد الثبات في القصيدة "أرض بلا ميعاد"،
و قد ركز الناقد على مبدأ
الثنائيات: الزمان/المكان، و الأرض/الماء، و ميعاد/معاد، و
التاريخ/الأرض، والمستقبل/الماضي، لتأكيد رؤيا القصيدة، و هي تعميق السكونية و منع الحركة داخليا
وخارجيا. لينتهي الناقد في آخر النص إلى إبراز وظيفة النسق في القصيدة و المتمثلة في تثبيت
الحركة و منعها عن طريق ربط المستويات السابقة بالمستوى الدلالي. فبنية القصيدة ككل تقوم على جملة الشرط و التكرار و
الثنائيات الضدية، وكل هذه العناصر أكدت دلالة واحدة و هي الثبات والسكونية في القصيدة و خارجها.
و
قد اعتمد
الناقد في وصف القصيدة و تحليلها على بنية حجاجية استدلالية تقوم على الطريقة الاستقرائية، حيث انتقل من الخاص (وصف بنية القصيدة اللسانية...)،
إلى العام (إبراز رؤيا القصيدة الدلالية...)،
معتمدا في ذلك على تصميم
منهجي محكم، يقوم على عرض وصف فيه بنية القصيدة اللغوية و مستوياتها
النحوية والتركيبية و المعجمية والدلالية، و نسقها الداخلي...؛ ثم خاتمة خلُص فيها إلى إبراز رؤيا القصيدة الدلالية، بناء
على وصف مستوياتها اللغوية النحوية و التركيبية و المعجمية. معتمدا في ذلك مبدأ التدرج، و نظام الفقرات...
و
قد استعان الناقد بمجموعة من الأساليب
الحجاجية كالتعارض
مثل: "بيد أنّ
جملة الشرط..."، والإضراب
مثل: "بل محكومة بالأداة حتّى..."، و التأكيد
مثل: "أنّها ترجح..."، إضافة إلى النفي مثل: " ليست مطلقة..."، و الشرح مثل: "أي أنها..."، فضلا عن الاستنتاج و
مثاله: "إذن، تتناوس..."،
و التعليل، مثل: "لأن كلا من البديلين..."؛ كما اعتمد على الأمثلة، والاستشهاد
بأسطر شعرية و عبارات من القصيدة. و وظيفة هذه الأساليب هي إقناع القارئ و الدفاع عن مواقف
الكاتب، و الربط بين جمل النص وأفكاره وفقراته.
كما وظف الكاتب مجموعة من الأساليب التفسيرية كالتعريف و
مثاله: تعريف الناقد لمفهوم النسق مثلا...، و أسلوب الوصف من خلال وصفه لبنية القصيدة اللغوية ومستوياتها
النحوية و التركيبية و المعجمية و الدلالية...، إضافة إلى أسلوب المقارنة
عندما قارن بين مجموعة من الثنائيات. ووظيفة هذه الأساليب هي توضيح أفكار الكاتب ومواقفه
للقارئ، و تفسيرها...
و قد اعتمد الناقد على لغة نقدية واضحة، كما اعتمد على وسائل الاتساق التركيبي والدلالي والمعجمي، بتوظيفه لأدوات الربط...