تطبيق المنهجية في تحليل نموذج من الامتحان الوطني، كتابة موضوع إنشائي محكم التصميم
الإنجاز:
أولا: درس النصوص
يعتبر خطاب البعث و الاحياء أول حركة شعرية نهضت بالشعر العربي الحديث بعد فترة طويلة من الانحطاط، حيث حاول القضاء على مظاهر الجمود التي عرفها الشعر العربي، وما أصابه من تصنع وزخرفة لفظية، وموت المعاني...
فمنذ أواخر القرن التاسع عشر
بدأ العالم العربي يعرف نهضة فكرية واسعة، تمثلت في ظهور تيارات فكرية دعت
إلى ضرورة التحرر من ربقة الاستعمار، و تجاوز مظاهر التخلف، ابتداء من
الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي، و ظهور حركة موازية في
الأدب تمثلت في الرجو ع إلى التراث
العربي القديم. وقد ساهمت فيها مجموعة من العوامل، كسيطرة
الدولة العثمانية على أغلب الدول العربية، وحملة نابليون على مصر، وانتشار
الطّباعة، وظهور الصحافة، إضافة إلى الاستعمار الغربي، والبعثات الثقافية إلى
أوروبا...
وانطلقت هذه الحركة الشعرية من مبدأ الأصالة الذي تحول إلى شكل من أشكال التقليد للشعراء القدماء كالبحتري، و المتنبي...؛ وتمثل في سيادة الأغراض الشعرية القديمة، وطرائق الشعراء القدماء في التعبير، واعتماد عمود الشعر، وذلك بإحياء نموذج القصيدة القديمة على مستوى اللغة الصعبة، والإيقاع الخليلي، والتصوير البياني. ومن أبرز رواد هذه الحركة نذكر: محمود سامي البارودي، ومعروف الرصافي، وعلال الفاسي... إضافة إلى صاحب النص الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي، ويعتبر من أبرز رواد حركة إحياء النموذج. والنص قيد التحليل عبارة عن قصيدة شعرية عمودية البناء تعتمد نظام الشطرين المتناظرين، مأخوذة من ديوان "الشوقيات".
ـ ترى
ما مضامين القصيدة؟
و ـ وما الوسائل اللغوية والفنية التي وظفها الشاعر في سبيل التعبير عن ذلك؟ وما
وظيفتها؟
ـ وإلى أي حد
استطاع هذا النص أن يمثل خصائص خطاب إحياء النموذج؟
من خلال الملاحظة
البصرية، وبداية النص و نهايته، وكذا بعض المؤشرات
الدالة: لوعتي ـ شجون ـ الأشواق...، نفترض أن النص عبارة
عن قصيدة شعرية عمودية البناء، تعتمد نظام الشطرين المتناظرين و وحدة القافية
و الرّوي، موضوعها تعبير الشاعر عن شوقه ولوعته ومعاناته،
وتغنيه بجمال الروض؛ تنتمي لخطاب إحياء النموذج.
يعبر الشاعر
في هذه القصيدة عن معاناته وحرقة وجده، حيث يستهلها بوصف استمرار
معاناته وأرقه بسبب شدة شوقه لأحبته، والتي عمقتها الليالي الطويلة، وجعلته يتذكر
أحبته، مصورا حالة قلبه الذي أنهكه الهوى والغرام؛ لينتقل بعد ذلك إلى وصف جمال
الروض وسحره وتفاعل جنباته مع العاشقين الذين أنهكهم الشوق وأتعبهم الغرام، حيث
صور جمال الغصون ورقة النسيم وروعة الطيور؛ خاتما قصيدته بالتحسر على
أيام الشباب التي ولت دون رجعة، مبديا تعجبه من حال الدنيا المتقلب،
وعبثها بالإنسان، وسطوة الزمان.
و بناء على
القراءة الأفقية للقصيدة يمكن تقسيم معجم النص إلى حقلين دلاليين هما: حقل دال على معاناة
الشاعر وشوقه لأحبته، و من الكلمات و العبارات الدالة عليه نذكر: لوعتي ـ
الهوى ـ أرقت ـ ذكرى أحبتي ـ شجون...، و حقل دال على الرّوض(الطبيعة)،
ومن الكلمات و العبارات الدالة عليه نجد: ظله ـ الطير
ـ غصون ـ النسيم ـ حواشيها...؛ وعلاقتهما بالحالة النفسية للشاعر أنهما يعكسان
حالته النفسية، التي يمتزج فيها الإحساس بالمعاناة والشوق واللوعة، بالإعجاب بجمال
الروض وسحره.
و قد وظف الشاعر معجما
تراثيا صعبا أخذ مفرداته من المعجم القديم، تتميز بالصعوبة
والجزالة، ومثال ذلك: مضني ـ الصِّبا...، الشيء الذي يبرز رغبة الشاعر
في تقليد الشعر القديم.
أما على مستوى الإيقاع
الخارجي فالقصيدة ذات شكل عمودي، تعتمد على نظام
الشطرين المتناظرين. كما اتبع الشاعر إيقاعا خليليا، حيث اعتمد على بحر من
البحور الخليلية، وهو بحر الطويل.
إضافة إلى اعتماده على
وحدة القافية و الروي، فقد وظف قافية مطلقة، وهي على الشكل
التالي :عيدو ا0ا0؛ أما الروي فهو
حرف الدال.
و قد استعمل الشاعر ظاهرة التصريع في البيت
الأول: يزيد/ يعيد، وهي ظاهرة إيقاعية
قديمة.
وعلى مستوى الإيقاع الداخلي فقد كرر الشاعر مجموعة من الصوامت مثل: الدال ـ
التاء ـ الهاء ـ العين ـ الغين...، إضافة إلى تكراره لبعض الصوائت كالكسرة
والفتحة والألف والياء، علاوة عن تكراره لبعض الكلمات مثل: قلب ـ الهوى
ـ الغرام ـ الأيام...، فضلا عن تكرار الشاعر لبعض الاشتقاقات، مثل: يمدّ/مديد ـ ظله/تظللنا...
فضلا عن اعتماده على التوازي، و مثاله البيت الأول:"يمدّ
الدجى...." / "ويبدئ بثّي..."، وهو توازي نسبي، جاء على المستويات النحوية
والصرفية والدلالية.
ووظيفة هذا
الإيقاع وظيفة تعبيرية و جمالية، عبرت عن تجربة الشاعر، وما عاشه من معاناة ولوعة.
وقد وظف الشاعر بعض
الصور الشعرية كالتشبيه، و مثال ذلك البيت السادس، حيث شبه الشاعر الروض
الحقيقي بالروض المثالي لدى المحبين، فالمشبه هو الروض الموصوف، والمشبه
به هو الروض المثالي، و الأداة هي الكاف، ووجه الشبه محذوف، وهو
تشبيه مرسل ومجمل؛ إضافة إلى استعماله للاستعارة، ومثالها البيت الثالث حيث استعار
الشاعر خاصية الزيارة، و أسقطها على الشجون، فالمستعار منه محذوف،
والمستعار له هو الشجون، وهي استعارة مكنية، كما نجدها في الأبيات:
الرابع والسابع والثامن والتاسع. ووظيفة هذه الصور وظيفة تزيينيه جمالية، أضفت
بعدا جماليا على القصيدة.
أما فيما يخص
الأساليب فيهيمن على القصيدة الأسلوب الخبري، لأن الشاعر يخبرنا
بمعاناته بسبب لوعته وشوقه، كما استعمل بعض الأساليب
الإنشائية كأسلوب الاستفهام، ومثاله :"أأنت حديد؟ ـ
أما لك يا عهد الشباب...؟"، وأسلوب النداء، مثل :"يا قلبي..."، ووظيفة هذه
الأساليب هي التعبير عن حالة الشاعر.
ووظف الشاعر
بعض المحسنات البديعة كالطباق مثل: قائم ـ قعود، وهو طباق إيجاب؛ والجناس مثل: عهيد/ معيد، وهو جناس نسبي،
ووظيفتها
التزيين، على غرار الشعر القديم.
من خلال تحليلنا للنص السابق نستنتج أن
الشاعر أحمد شوقي قد عبر عن معاناته ولوعته، حيث استهل قصيدته
بوصف مدى معاناته بسبب وجده ولوعته وشوقه لأحبته، ثم انتقل بعد
ذلك إلى التعبير عن جمال الروض وسحره، ليختم قصيدته
بـتحسره على ذهاب أيام الشباب والتعجب لحال الدنيا.
ومن أجل ذلك اعتمد على شكل القصيدة
القديم، ونظام الشطرين المتناظرين، ووحدة القافية والروي، واتباعه لإيقاع
خليلي، حيث نظم قصيدته على بحر من البحور
الخليلية، وهو بحر الطويل، كما وظف ظاهرة التصريع، إضافة إلى
توظيفه لمعجم تراثي صعب، يغلب عليه الحقل الدال على اللوعة والشوق، علاوة
عن توظيفه لمجموعة من الصور الشعرية كالتشبيه والاستعارة...، وبعض المحسنات
البديعية كالطباق والجناس، فضلا عن توظيفه للأسلوبين الخبري
والإنشائي.
وكل هذه الاستنتاجات تؤكد
لنا صحة الفرضية السابقة بأن النص عبارة عن قصيدة شعرية عمودية البناء اعتمدت
نظام الشطرين المتناظرين، و وحدة القافية و الروي، كان موضوعها وصف
معاناة الشاعر ولوعته؛ تنتمي لخطاب إحياء النموذج.
و قد نجح
الشاعر إلى حد كبير في تمثيل خطاب إحياء النموذج شكلا و مضمونا، فعلى مستوى الشكل اعتمد الشاعر بنية القصيدة
القائمة على نظام الشطرين المتناظرين ووحدة الوزن و القافية و الروي، واعتمد
على إيقاع خليلي، واستعمل معجما تراثيا صعبا، إضافة إلى حضور النزعة
البيانية بتوظيفه لصور شعرية تقليدية ذات وظيفة تزيينية؛ أما
على مستوى المضمون فقد استحضر بنية القصيدة
القديمة القائمة على تعدد المضامين، مع اتخاذه مع اتخاذه موضوعا
تقليديا لقصيدته.