رشيد الدحداحي (قصيدة شعرية)
خواطر طفل فلسطيني
بين أحضان السواقي، و الصخور...
حيث يقبّل الصّنوبر خدود الأفْق البعيد،
و تشرب الفراشات من خمور المساء الحزين،
و تستحم أحزان الحلّاج بزفرات المساكين.
أعلن القمر اليتيم، بين حين، وحين...
أن أباه توفي شهيدا بين أحضان السنين،
و أن أمه الحالمة، تركته وحيدا للبحث عن
الحطب.
فلسعات الشتاء الغاضبة،
أعلنت أنها لن ترحم المجانين.
و أنا باق بلا حذاء، يا أبي، بلا معين...
الأشواك يا أبي، مزقت ثيابي...
فمشيت حافي القدمين...
سنين، وسنين،
عاري الخدين...
جسدي نحيل، أعياه الحنين...
أصرخ يا أبي، فيرجع صدى السنون،
بأن أمي لن تعود...
و إن سجّلت بدموعها كل الوعود.
تاهت الأحزان في دروبي،
و ها أنا جالس يا أبي، بلا ملل، بلا شقاء...
أنتظر عطف النجوم الصفراء،
أداعب الأحجار حتى لا تمل،
و أغازل أوراق الخريف حتى لا ترحل،
و أرقب وجه القمر اليائس، البئيس.
و إن سمعت في بلاد بعيدة،
أن الجلّاد عاد من جديد...
ليحصي القتلى في عرس مجيد،
و يحتسي نخب الجرحى...
××××
إنّي يا أبي رأيت حلما يفترس عظامي...
و الأطفال غرقى في حمم الدماء...
و كؤوس الأرق قطّعت الأوصال، يا أبي...
و مزقت العروق.
و لمحت من بعيد،
الابتسامات السوداء...!
تختنق فوق موكب النّخاسة،
والعبيد.
إني يا أبي رأيت الأطفال يأكلون الحجر،
و يعدُون بين الأشواك، والمطر ينهمر،
حفاة، عراة، يا أبي، مثلي...
و صوت الرصاص يشق الثّرى في ضجر،
و الظلام الخائن يأكل نهود المطر،
و يسرق قطرات الندى،
ويشنق المدى،
و يعدم الغمام الراحل...
××××
نمت يا أبي، و رأيت حلما،
مرّ عليّ سندباد، و قال: اركب،
فألقيت بنعْلي الممزّق، و نمْت في المركب،
و سبعة بحور بيني و بين المغرب،
تدحرجني امتدادات الأمواج إلى المجهول،
و إن أخبرني السندباد بأسرار آلهة البحار،
فإني ضللت الطريق...
وعانقت الجدار
××××
إني جائع يا أبي حتى البكاء،
كأنّي طفل رماه الزّمان الخاطئ،
فلم يعره العابرون حتى الرثاءّ،
و تلقفته الأيام في ازدراء،
ها أنا يا أبي، أنام ...
في انتظار الدجى، أنام...
فاشتر لي حذاء، و إن من دموع الأبرياء،
و انتظرني، ولا تطفئ الأضواء،
فإني اشم رائحة خبْز أمّي وقْت العشاء،
و أنت جالس على كرسيّك تطالع المساء،
فاللّيل يا أبي و إن طال،
فإنّ عواءه إلى زوال...
رشيد الدحداحي، المغرب.