البعد النفسي في رواية "اللص و الكلاب": الحقل العاطفي، والتيمات النفسية، والعلاقات بين الشخصيات
1ـ البعد النفسي في الرواية
يسعى البعد النفسي إلى معالجة الجانب العاطفي و السيكولوجي في الرواية بكل أبعاده من مشاعر وأحاسيس، و خصائص سيكولوجية، و معطيات فكرية و أخلاقية و فلسفية. و هي معطيات تحضر في كل عمل سردي بشكل صريح أو ضمني.
لقد سعى نجيب محفوظ من خلال تركيزه على سعيد مهران إلى كشف التحولات النفسية التي عاشها الشعب المصري مع ثورة
الضباط الأحرار 1952،
و تداعيات فشلها على نفسية
الأفراد. الشيء الذي خلق إنسانا ثوريا
متمردا رفض ما آلت
إليه الثورة،
التي أيد قيمها و دافع عن أصحابها و آمن بشعاراتها...
و يتم الكشف عن البعد النفسي بالتركيز على:
q ـ الحقل العاطفي؛
q ـ التيمات السيكولوجية؛
q ـ العلاقات بين الشخصيات.
ففي رواية "اللص و
الكلاب" نستشف أحاسيس و مواقف متوترة و
متناقضة تكشف عن أزمة الإنسان المصري في عالم
غريب لا يحس فيه بالاطمئنان، من خلال التركيز
على شخصية "سعيد مهران" و ما عاشته من غربة و
معاناة و ألم و خيانة و ظلم و توتر...
أـ الحقل العاطفي:
تصور الرواية البطل "سعيد مهران" كشخصية تعاني من غياب التوازن النفسي بسبب الصراع الداخلي، و ما عاشته من تمزق نفسي بسبب الخيانة التي تعرضت لها خاصة خيانة "رؤوف علوان".
و
هذا ما يظهر من خلال التقنية التي اعتمدها نجيب محفوظ و هي تقنية التداعي (و
تقنية الاسترجاع) التي قربتنا من نفسيته، حيث عرفنا على طفولته و شبابه، و فقدانه لأبيه، و أمه، و
طبيعة علاقته بأسرته و أصدقائه، و بالشيخ الجنيدي صديق والده، و أستاذه رؤوف علوان؛ الشيء الذي ساعدنا على فهم أعمق لأزمته النفسية، و ما عاشه من غربة و قهـر و حرمان و ضياع و توتر في واقع
يحكمه الانتهازيون و الخونة، الذين يجب القضاء عليهم...
ب ـ التيمات النفسية:
§ ـ تيمة الحب: تيمة ساهمت في تحريك أحداث الرواية بشكل كبير، فسعيــد كان يحمل حبا يسع الجميع نبوية و عليش و سناء و علــوان و الشيـــــخ و الفقراء الذين سرق من أجلهم، فقد أحب نبوية بجنـــــــون و كان مستعدا لفعل أي شيء من أجلها و هذا ما يتذكره في الفصل العاشر، حيث يصف جمالها و كيفية لقائه بها عند النخلة، حيث يقول: "أما نبوية فقد هزت القلب حتى اقتلعته من جذوره". و أحب أستاذه رؤوف علوان الذي جعله مثاله الأعلى فهو "سيف الحرية المسلول"، و "الرجل الشهم"، و هذا ما نجده في الفصل الحادي عشر عندما يتذكر مساندته له في تعويض أبيه في حراسة عمارة الطلبة. كما أحب الشيخ الذي اعتبره "سيد الأحياء"، و أحب سناء و كان مستعدا أن يبدأ صفحة جديدة من أجلها لو ساعده رؤوف علوان. لذلك ستكون خيبة أمله كبيرة و مدمرة بعد تعرضه للخيانة من أقرب الناس إليه. و هذا ما يعبر عنه بحرقة في الفصلين العاشر و الحادي عشر.
§ ـ تيمة الخيانة: تيمة رئيسية داخل الرواية، فهي سبب الغضب و الحقد و الانتقام. حيث يقول بعد خروجه من السجن مباشرة: "آن... للخونة أن ييأسوا حتى الموت، و للخيانة أن تكفر عن سحنتها الشائهة..." ص7. و قد حاولت الرواية أن تُجسِّدها في أبشع الصور من خلال تجسيدها فـي خيانة أعز الأصدقاء، عليش سدرة الذي أعتقه من الشارع و كان يغدق عليه الأموال و يثق فيه ثقة عمياء، إلا أنه وشى به للشرطة. و خيانة الزوجة(نبوية)، التي أحبها بشدة، إلا أنها خانته باتفاق مع عليش، ثم طلبت الطلاق منه و هو في السجن و تزوجت من عليش. و خيانة المبادئ، التي يجسدها رؤف علوان المناضل و الأستاذ الذي شجعه على السرقة و دافع عنه، حيث يقول: "كنت إنسانا حقا يا رؤوف...و كنت أستاذي أيضا"ص90. و قد جعل البطل الخونة في كفة واحد، فخيانة علوان لا تقل خطورة عن خيانة الزوجة و الصديق، يقول: "سأجد نبوية في ثياب رؤوف أو رؤوف في ثياب نبوية أو عليش..."، و يقول أيضا: "خيانة لئيمة لو اندك المقطم عليها دكا ما شفيت نفسي" ص37. و قد ظلت هذه التيمة تهيمن على كيان سعيد إلى حين استسلامه. كما ولدت لديه رغبة كبيرة في الانتقام، و استرجاع حقوقه و كرامته.
§ ـ تيمة الحقد و الكراهية: فبعد تعرض البطل للخيانة و خروجه من السجن صيفا (عيد الثورة)، لم يجد في انتظاره أحدا، أحس بأن الجميع ضــــــده، و كان الشعور الطاغي عليه هو الكراهية، الشيء الذي دفعه إلى التفكيـــر في الانتقام من الخونة، حيث أصبح الحقد يتملك نفسه و يسيطر على أحاسيسه و أفكــاره، و تظهر هذه التيمة في:
ـ كراهيته للمرأة: فكل امرأة بالنسبة له خائنة، و كلما رأى امرأة ذكرته بنبوية.
ـ كراهيته لعليش و
علوان: و هي كراهية و لّدت لديه هدفا
واحدا و هو الانتقام.
و رغم محاولة
الشيخ تهدئة روعه و تغيير سلوكه؛ و تنبيهات
طرزان بعدم التعرض لمن هم في موقع مهم
في المجتمع؛ و محاولة نور إقناعه بالتراجع عن انتقامه، إلا
أنه ظــــل مصرا على استرجاع حقوقه بالقوة...
§ ـ تيمة الانتقام: التيمة الأساسية في الرواية و التي ساهمت في تنامي الأحداث وتطويرها. و ترتبط هذه التيمة بسعيد مهران بسبب الخيانة التي تعرض لهـــا. و قد اعتبرها الحل الوحيد لحل مشاكله، حيث يقول: " قمة النجاح أن يقتلا معا..."