تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة إحياء النموذج، الامتحان الوطني 2018، "سرنديب" لمحمود سامي البارودي

|
امتحانات البكالوريا
|
في: ............. بتاريخ: .............
الاسم العائلي
للمترشح: ..............
الاسم الشخصي:
.......................
تاريخ ومكان الازدياد: ................
امتحانات البكالوريا
مادة: ..................................
الشعبة أو المسلك:
....... المستوى: ........
التقدير المفسر للنقطة:.....................
اسم و توقيع المصحح (ة) :................................. المؤسسة:....................... التوقيع:................................
أولا: درس النصوص
يعتبر
خطاب البعث و الاحياء أول حركة نهضت بالشعر العربي
بعد فترة طويلة من الانحطاط، ساهمت فيها مجموعة من العوامل: كسيطرة الدولة العثمانية على أغلب الدول العربية، و فرض سياسة التتريك، وضعف سلطان الدول العربية، إضافة إلى الاستعمار الغربي، وظهور حركات وطنية تنادي بالتحرر، وأخرى سلفية
تنادي بالأصالة والمعاصرة.
فمنذ أواخر القرن التاسع عشر بدأ العالم العربي يعرف
نهضة فكرية واسعة، تمثلت في ظهور تيارات فكرية دعت إلى ضرورة التحرر من ربقة الاستعمار، و
تجاوز مظاهر الانحطاط و الجمود، ابتداء من الإصلاح الديني و السياسي و الاجتماعي،
و ظهور حركة موازية في الأدب تمثلت في الرجو ع إلى التراث العربي القديم. و قد انطلقت من مبدأ الأصالة الذي تحول إلى شكل من
أشكال التبعية السلفية الشعرية لكل من: البحتري، والمتنبي، و أبي أتمام...؛ تمثلت في سيادة الأغراض الشعرية القديمة، و طرائق الشعراء القدماء في التعبير، و معارضة السلف الشعري بإحياء نموذج القصيدة القديمة...
و هي أول حركة
حاولت القضاء على مظاهر الجمود التي عرفها الشعر
العربي، و ما أصابه من تصنّع وزخرفة لفظية، و تلاعب بالألفاظ...، ومن أبرز رواد هذه الحركة نذكر: أحمد شوقي، و معروف الرّصافي، و حافظ إبراهيم، و علال الفاسي...، إضافة إلى صاحب النص الشاعر المصري محمود سامي البارودي، و يعتبر من أبرز رواد حركة إحياء النموذج. و النص قيد التحليل عبارة عن
قصيدة شعرية عمودية البناء تعتمد نظام الشطرين المتناظرين،
و وحدة القافية و الروي، مأخوذة من ديوان الشاعر.
ـ ترى ما مضمون هذه القصيدة؟ و كيف عبر الشاعر
عن تجربته الشعرية؟
ـ و ما الوسائل اللغوية و الفنية التي وظفها الشاعر
للتعبير عن تجربته؟ و ما وظيفتها؟
ـ و إلى أي حد استطاع هذا النص أن يمثل خصائص الخطاب
الذي ينتمي إليه؟
من خلال الملاحظة البصرية، و قراءتنا للتمهيد، و بداية النص و نهايته، و كذا بعض المؤشرات الدالة: محزون ـ سرنديب ـ غربة ـ مصر ـ تركت بها
أهلا ـ بلقائهم...، نفترض أن
النص سيكون عبارة عن قصيدة شعرية عمودية البناء، تعتمد نظام الشطرين
المتناظرين و وحدة القافية و الروي، موضوعها تعبير
الشاعر عن غربته و معاناته في المنفى، و شوقه لوطنه مصر؛ تنتمي لخطاب إحياء النموذج.
يستهل
الشاعر قصيدته بمقدمة تقليدية يصف فيها الرّكْب، لينتقل بعد ذلك إلى التعبير عن معاناته، وغربته في المنفى بعيدا عن
وطنه وأهله، و كذا شدة شوقه و حنينه لمصر و لأهله، خاتما قصيدته بتمنيه
العودة لوطنه.
و يمكن تقسيم القصيدة إلى أربع و حدات دلالية؛ فالوحدة الأولى تبدأ من البيت الأول و تنتهي في البيت
الثاني، و
فيها يستهل الشاعر قصيدته بمقدمة على غرار الشعراء القدماء، يصف فيها شجاعته، و
رحلة الركب تجاه مصر، تعبيرا منه عن شدة شوقه وحنينه لوطنه. أما الوحدة الثانية: فتمتد من البيت الثالث إلى البيت
الخامس، و
فيها يصف الشاعر البارودي غربته و معاناته في المنفى في "سرنديب"
بعيدا عن وطنه وأهله، مع وصفه لصبره و شجاعته، و ثباته على مبادئه. بينما الوحدة الثالثة فتبدأ من البيت السادس و تنتهي في
البيت التاسع، و
فيها يصف وطنه مصر، و يدعو له بالخصب، كما يصف شدة شوقه له، و لأهله. في حين أن الوحدة الرابعة فتطال ما تبقى من القصيدة، وفيها يتمنى الشاعر عودته لوطنه و أهله، مع
تعبيره عن تفاؤله بتحقق أمنيته.
و بناء على القراءة الأفقية للقصيدة يمكن تقسيم
معجم النص إلى حقلين دلاليين هما: حقل دال على الغربة و المعاناة، و من الألفاظ و العبارات الدالة عليه نذكر: غربة ـ فراق ـ محزون ـ نظرة وامق ـ الخطوب ـ محنة...، وحقل دال على الشوق والحنين للوطن(مصر)، و من الألفاظ و العبارات الدالة عليه نجد: يا مصر ـ النيل ـ أهلا ـ جيرة ـ لقائهم ـ للأوطان...؛ مع هيمنة الحقل الدال على الشوق و الحنين، لأن الشاعر يعيش في المنفى بعيدا عن وطنه و أهله؛ أما علاقتهما بالحالة النفسية للشاعر فهما يعكسان حالة الشاعر النفسية، التي يمتزج
فيها الإحساس بالغربة و المعاناة و ألم الفراق بمشاعر الشوق والحنين للوطن و
الأهل.
و قد وظف الشاعر
معجما تراثيا صعبا، متح مفرداته من المعجم القديم، ذا لغة متينة تتميز ألفاظها بالفخامة و الجزالة على
غرار الشعر القديم، و مثال ذلك: الرّكب ـ العلائق ـ المشرفي ـ الغرانق...، الشيء الذي يبرز رغبة
الشاعر في تقليد الشعر القديم.
و قد
جاءت القصيدة عمودية البناء،
معتمدة نظام الشطرين المتناظرين، و وحدة القافية و الروي.
كما اعتمد الشاعر على إيقاع
خليلي،
حيث نظم قصيدته على إيقاع بحر الطويل،
كما يظهر من خلال التقطيع التالي:
أَسلّـــــةُ سَيْــفٍ أَمْ عـقـيقــة
بَــارِقِ أضــاءت لـنا وهْنــاً
سمــاوة بَــارِقِ؟
أسـلْـلـَةُ
سـيْـفـن أم عـقيـقـة بـارقـي أضـاءت
لـنا وهْنـَنْ سـمـاوة بـارقِـي؟
ـ ـ ه ـ ـ ـ ه ـ ه ـ ه ـ
ـ ه ـ
ـ ـ ه ـ
ـ ه ـ ـ ه ـ ه ـ
ـ ه ـ ه ـ ه ـ
ـ ه ـ
ـ ـ ه ـ
ـ ه
فَعُـولُ مَفَـــاعِيـلُــنْ فَعُـولُ مَفَاعِــلُـنْ فَعُـولُـنْ مَفَاعِـــيـلُـنْ فَـعُـولُ مَفَاعِـلُـنْ
أما القافية فقد
جاءت مطلقة موصولة بالياء، مؤسسة بالألف، و هي كالتالي: (بارقي ـ ه ـ ـ ه)
من نوع المتدارك. بينما الروي فهو
حرف القاف، و قد جاء مكسورا تعبيرا عن انكسار الشاعر، و معاناته في المنفى
بعيدا عن وطنه و أهله. و هو حرف مجهور يعكس تحمل الشاعر، و صبره على الشدائد.
و قد
حافظ الشاعر على ظاهرة إيقاعية قديمة ساهمت في تشكيل موسيقى القصيدة، وهي التصريع و
نجدها في البيت الأول بارق/
بارق،
الشيء الذي يبرز رغبة الشاعر في تقليد
الشعراء القدامى.
كما نلاحظ أن الشاعر البارودي قد استطاع خلق نغمة
إيقاعية داخلية تناسب غرض القصيدة، من خلال تكرار
بعض الصوامت كالقاف و العين و اللام و الراء و الفاء والتاء...، و أغلبها صوامت مجهورة تعبر عن تحمل الشاعر؛ إضافة إلى تكراره لبعض الصوائت كالكسرة و الفتحة و الألف و
الياء، مما سمح للشاعر للتعبير عن انكساره و اغترابه؛ وتكراره لبعض
الكلمات مثل: بارق ـ جيرة ـ الأيام...، و هي كلمات تلخص لنا مضمون القصيدة، فضلا عن تكراره لبعض العبارات مثل: "فإن تكن الأيام"، و تكرار بعض الصيغ الصرفية، مثل: بارق/وامق، غيّرتني/حوّلتني...
علاوة عن اعتماده على
خاصية التوازي الإيقاعية و مثالها في البيت الخامس: "فما غيرتني محنة عن خليقتي" / "و لا حوّلتني خدعةٌ عن طرائقي"، و هو توازي أحادي، نسبي، جاء على المستوى
النحوي، و الدلالي، و التركيبي، الصرفي.
و قد ساهم هذا الإيقاع في خلق نغمة موسيقية تميل إليها النفوس، و تناسب موضوع القصيدة. كما أدى وظيفة تعبيرية و جمالية و تأثيرية...
و من أجل تصوير الشاعر لتجربته الشعرية فقد عمد إلى توظيف بعض الصور الشعرية التراثية الحسية ذات
النزعة البيانية كالتشبيه و مثال ذلك البيت الأول، و إن كان
جاء على شكل تساؤل، حيث شبه الشاعر شعاع البرق بـسلة السيف التي تُصدر شعاعا، فالمشبه
هو عقيقة بارق، و المشبه به سلة السيف، و
الأداة محذوفة، و وجه
الشبه هو اللمعان و الضوء، و هو تشبيه مؤكد و مفصل؛ إضافة
إلى استعماله للاستعارة، ومثالها البيت الرابع حيث استعار الشاعر خاصية التكسير، و أسقطها على الأيام، فالمستعار منه محذوف، و
المستعار له هو الأيام، و الجامع هو القوة و الشدة، و هي استعارة مكنية. و قد اعتمد
الشاعر على المجاز بكثرة في وصفه لاغترابه و بعده عن وطنه، كما في الأبيات: 3 ـ 7
ـ 9 ـ 10 ـ 11...
و قد جمعت هذه الصور
بين الوظيفة التعبيرية، من خلال تعبيرها عن معاناة الشاعر وغربته في المنفى
بعيدا عن وطنه و أهله، و الوظيفة التزيينيه الجمالية، من خلال إضفاء بعد جمالي على القصيدة، فهي تعكس حرص الشاعر على اتباع منهج الشعراء
القدامى في التصوير البياني.
من خلال
تحليلنا للنص السابق نستنتج أن الشاعر محمود سامي البارودي قد أراد أن يصف غربته في المنفى و معاناته، و تحمله و صبره على الشدائد، حيث استهل
قصيدته بوصف الركب
المتوجه إلى وطنه، تعبيرا عن شدة الشوق و الحنين، ثم انتقل بعد ذلك إلى التعبير عن غربته في منفاه سرنديب، و صبره و تحمله، و شوقه
لوطنه و لأهله، ليختم قصيدته بتمنيه رجوعه إلى وطنه، و ملاقاة أهله و أحبائه.
و
قد نجح في ذلك باعتماده على نظام الشطرين
المتناظرين، و وحدة
القافية و الروي، و
اتباعه إيقاعا خليليا، حيث نظم قصيدته على وزن قديم و هو بحر الطويل، كما وظف ظاهرة إيقاعية قديمة و هي التصريع، إضافة إلى استعماله لمجموعة من الصور
الشعرية ذات النزعة البيانية الحسية و
الوظيفة التزيينية كالتشبيه و الاستعارة...، علاوة عن توظيفه لمعجم
تراثي صعب، واستحضاره
لبنية القصيدة القديمة القائمة على تعدد
الأغراض...
و
كل هذه الاستنتاجات تؤكد لنا صحة الفرضية السابقة بأن
النص عبارة عن قصيدة شعرية عمودية
البناء اعتمدت نظام الشطرين المتناظرين و وحدة القافية و الروي، كان غرضها الرئيس الوصف، حيث وصف غربته في المنفى و شوقه لوطنه مصر؛ تنتمي لخطاب البعث و الإحياء.
و قد نجح الشاعر إلى حد كبير في تمثيل خطاب إحياء النموذج شكلا ومضمونا، فعلى مستوى الشكل اعتمد الشاعر بنية القصيدة القديمة القائمة على نظام الشطرين المتناظرين و وحدة القافية الروي، و اعتمد على إيقاع خليلي بنظمه على وزن قديم، كما استعمل معجما قاموسيا تراثيا، إضافة إلى حضور النزعة البيانية بتوظيفه لصور شعرية حسية ذات وظيفة تزيينية، و استحضاره لظاهرة التصريع القديمة؛ أما على مستوى المضمون فقد استحضر بنية القصيدة القديمة القائمة على تعدد الأغراض و المواضيع، حيث وصف الرحلة، ثم الغربة و الشوق و الحنين، وختم بالحكم، مع اتخاذ غرض الوصف غرضا رئيسا.