تطبيق المنهجية السهلة في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لسؤال الذات "والمعاني باقيات"
والمعاني باقيات
الإنجازأولا: درس النصوص
حركة سؤال
الذات حركة شعرية ظهرت في العالم العربي مع مطلع القرن العشرين، وقد جاءت كرد فعل
على تيار البعث والإحياء الذي همش الذات الشاعرة، حيث حاولت رد الاعتبار
لهذه الذات، وجعلها مصدرا للإلهام الشعري، فعبر شعراؤها عن
هيامهم بالطبيعة والمرأة الحلم، ونفورهم من الواقع الإنساني، معتمدين في ذلك على
خيالهم الواسع.
وقد ساهمت في ظهورها عدة عوامل نذكر منها: الاحتكاك الثقافي
بالغرب، وصعود الطبقة البورجوازية، والتأثر بالقيم الليبرالية، إضافة إلى هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بسبب الاستعمار
الأوروبي... وغيرها.
كما تأثر شعراؤها بالشعر
الغربي، علاوة عن الاطلاع
على الصوفية، والتأثر بالديانة المسيحية... ومن أهم
مدارس هذه الحركة: جماعة الديوان والرابطة
القلمية إضافة إلى مدرسة أبولو ومن أبرز روادها: جبران
خليل جبران، وميخائيل
نعيمة، وإيليا أبو ماضي...، إضافة إلى صاحب النص الشاعر المغربي عبد الكريم بن ثابت، الذي يعتبر من أبرز رواد حركة سؤال الذات في
المغرب. والنص قيد التحليل عبارة عن قصيدة شعرية تعتمد نظام
المقاطع، مأخوذة من ديوان
"الحرية".
ـ ترى ما مضامين القصيدة؟
ـ وما الوسائل
اللغوية والفنية التي وظفها الشاعر في سبيل ذلك؟ و ما وظيفتها؟
ـ وإلى أي حد استطاع هذا النص أن يمثل خصائص خطاب سؤال الذات؟
من خلال الملاحظة البصرية وقراءتنا للعنوان (والمعاني باقيات)، وبداية النص ونهايته، وكذا بعض المؤشرات الدالة(نفسي ـ صبح ـ سخرت ـ الشمس...)، نفترض أن النص عبارة عن قصيدة شعرية تعتمد نظام المقاطع، مع التنويع في القافية والروي؛ مضمونها تصوير الصراع النفسي الذي يعيشه الشاعر، ووصفه لجمال الطبيعة؛ تنتمي لحركة سؤال الذات.
يعبر
الشاعر في هذه القصيدة عن صراعه الداخلي
الذي عاشه أثناء تغنيه بجمال الطبيعة وسحرها، حيث يستهلها بدعوة الشاعر نفسَه
إلى التأمل في جمال منظر شروق الشمس، إلا أن نفسه سخرت منه؛ لينتقل بعد ذلك إلى وصف زمن الضحى ودعوته نفسه من جديد للتأمل في جمال
المنظر إلا أنها ستسخر منه مرة أخرى، وسينتقل معها إلى زمن المساء من أجل إقناعها بجمال الكون،
إلا أنه فشل في ذلك؛ خاتما قصيدته بمحاورته لنفسه من أجل إقناعها بجمال الكون والطبيعة دون جدوى، ليتدخل صوت
خارجي لعقد صلح بينهما.
وبناء على القراءة الأفقية للقصيدة يمكن تقسيم معجم النص إلى حقلين دلاليين هما: حقل دال على ذات الشاعر، ومن الألفاظ
والعبارات الدالة عليه نذكر: نفسي ـ رأينا ـ سخرت ـ يخلبني ـ دخلنا...، وحقل دال على الطبيعة، ومن الألفاظ والعبارات الدالة عليه نجد: صبح ـ رياض ـ الليل ـ ورد ـ نجوم ـ بحار...؛ وعلاقة الحقلين بالشاعر أنهما يعكسان حالة
الشاعر النفسية التي تعيش صراعا داخليا بسبب تجاهل النفس لعوالم الشاعر. وقد وظف الشاعر معجما سهلا تقترب لغته من الحديث المألوف.
أما على مستوى الإيقاع الخارجي فقد جاءت القصيدة معتمدة نظام المقاطع. كما اعتمد الشاعر على إيقاع خليلي، حيث نظم قصيدته على بحر من البحور الخليلية، وهو مجزوء الرمل. إضافة إلى اعتماده على التنويع في القافية والروي، فقد وظف قافية مطلقة، مثل: قدْ مضى ا0اا0، وقافية مقيدة، مثل: لاتْ ا00؛ كما نوع في الروي تعبيرا عن تقلبات نفسيته، حيث نجد: التاء، والنون، والضاد، والباء، والهمزة، والميم...؛ وقد وظف الشاعر ظاهرة التدوير بكثرة، ومثاله البيت الثاني، وقد ساهم في التعبير عن امتداد أحاسيس الشاعر.
وعلى مستوى
الإيقاع الداخلي فقد كرّر الشاعر مجموعة من الصوامت مثل: التاء، والسين،
والضاد، واللام، والنون...، إضافة إلى تكراره لبعض الصوائت، مثل: الكسرة، والياء، والألف، والفتحة...، علاوة تكراره لبعض الكلمات مثل: نفس ـ بهاء ـ الليل ـ يفنى ـ مضى...، وكذا تكراره للبيت الثامن خمس مرات.
فضلا عن عن اعتماده على خاصية التوازي الإيقاعية ومثالها في البيتين الواحد والعشرين والثاني والعشرين (لامعات في الفضاء/غائرات في بحار...)، وهو توازي مقطعي نسبي، جاء على المستويين الصرفي والنحوي. وقد أدى الإيقاع بشكل عام وظيفة تعبيرية، حيث ساهم في التعبير عن تجربة الشاعر الفنية.
وقد وظف الشاعر بعض الصور الشعرية، كالتشبيه ومثاله البيت الرابع والأربعون، حيث شبه الشاعر الكلَّ بالهواء، فالمشبه هو الكلّ، و المشبه به الهواء، والأداة ووجه الشبه محذوفان، وهو تشبيه مؤكد ومجمل؛ كما اعتمد على المجاز بكثرة باستعماله للاستعارة، ومثالها البيتان السادس والسابع، حيث استعار الشاعر خاصية الجذب، وأسقطها على الحب، فالمستعار منه محذوف، والمستعار له هو الحب، وهي استعارة مكنية. ووظيفة هذه الصور تعبيرية، عبرت عن تجربة الشاعر. فضلا عن استعانته بأدوات تعبيرية جديدة كالتجسيد في البيت الثامن، إضافة إلى اعتماده على الخيال.
أما فيما
يخص الأساليب فيهيمن على القصيدة الأسلوب الخبري، لأن الشاعر يخبرنا بجمال الطبيعة، وبمعاناته بسبب صراعه الداخلي مع نفسه، كما استعمل بعض الأساليب الإنشائية كالأمر، ومثاله: "اقرئي ـ انظري..."، وأسلوب الاستفهام، ومثاله: "ألم يبق... ـ أين ما تقنا..."، إضافة إلى النداء، مثل: "يا نفس..."، والنهي، مثل: "لا تسلْ..."، ووظيفة هذه الأساليب هي التعبير عن حالة الشاعر النفسية المتفككة بسبب تجاهل النفس لعوالم الشاعر.
ووظف الشاعر بعض الأساليب البديعية كالطباق، مثل: باقيات يفنى، و هو
طباق إيجاب؛ والجناس مثل: جمال/كمال، و هو جناس نسبي؛ ووظيفتها التعبير عن تجربة الشاعر الذاتية.
من خلال تحليلنا للنص السابق نستنتج أن الشاعر عبد الكريم بن ثابت عبر عن معاناته مع نفسه من أجل اكتشاف الحقيقة، حيث استهل قصيدته بوصف جمال الرياض وسخرية نفسه منه، ثم انتقل إلى التعبير عن سحر جمال الضحى والمساء، مع سخرية النفس منه مرات عديدة، ليختم قصيدته بعقد صلح مع نفسه بعد تدخل صوت خارجي. ومن أجل ذلك اعتمد على نظام المقاطع، والتنويع في القافية والروي، واتبع إيقاعا خليليا، حيث نظم قصيدته على بحر من البحور الخليلية، كما وظف ظاهرة التدوير، إضافة إلى توظيفه لمعجم سهل، يغلب عليه حقل الطبيعة، علاوة عن توظيفه لمجموعة من الصور الشعرية كالتشبيه والاستعارة، وتوظيفه لأدوات تعبيرية جديدة كالتجسيد، واستعمال بعض المحسنات البديعية، وكذا مزاوجته بين الأسلوبين الخبري والإنشائي. وكل هذه الاستنتاجات تؤكد لنا صحة الفرضية السابقة.
وقد نجح
الشاعر إلى حد ما في تمثيل حركة سؤال الذات خاصة
على مستوى المضمون؛ فعلى مستوى الشكل اعتمد
الشاعر على نظام المقاطع، وإيقاع خليلي، وتنويعه في
القافية والروي، كما استعمل معجما
سهلا، وصورا شعرية ذات وظيفة
تعبيرية، إضافة إلى توظيف أدوات
تعبيرية جديدة كالتجسيد، الشيء
الذي يبرز محاولة الشاعر خلق
شكل جديد خاص
بتجربته الشعرية؛ أما
على مستوى المضمون فقد
تميزت
القصيدة
بالوحدة الموضوعية، واعتماد مضامين
جديدة كالتعبير عن وجدان
الشاعر والطبيعة.