تجديد الرؤيا، الدرس الثالث: تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لتجديد الرؤيا، "سربروس في بابل"
recent
مشاركات ساخنة

تجديد الرؤيا، الدرس الثالث: تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لتجديد الرؤيا، "سربروس في بابل"

تجديد الرؤيا، الدرس الثالث: تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لتجديد الرؤيا

تجديد الرؤيا، الدرس الثالث: تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لتجديد الرؤيا 

تحليل نص شعري ينتمي لتجديد الرؤيا:"سربروس في بابل" لبدر شاكر السياب
تجديد الرؤيا، الدرس الثالث: تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لتجديد الرؤيا، "سربروس في بابل"

تجديد الرؤيا، الدرس الثالث: تطبيق المنهجية في تحليل قصيدة شعرية تنتمي لتجديد الرؤيا، "سربروس في بابل"المقدمة:

      بعد ظهور حركة تكسير البنية، حاول مجموعة من الشعراء و النقاد إتمام مسوغات هذه الحركة، وخصائصها، و تحديد منطلقاتها الإبداعية و النقدية، و في ظل هذه المحاولات ظهرت حركة شعرية جديدة من باطن تلك الحركة على يد مجموعة من الشعراء. و قد مثلت هذه الحركة ثورة شعرية و معرفية جديدة أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، أُطلق عليها مفهوم قصيدة الرؤيا، تزعمها يوسف الخال بتأسيسه لمجلة "شعر"، و انضم إليه شعراء آخرون كأدونيس. و قد كان هدفها هو إعادة بناء المظاهر التعبيرية للشعر الجديدة، و الانتقال بالشعر من المضمون الواقعي إلى مضمون يتسم بالغموض و المجهول و اللامنطق، بالاعتماد على المنهج الأسطوري...

    و قد ساهمت في ظهور هذه الحركة مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية كظهور حركات وطنية تحررية، و تأميم قناة السويس، و رد العدوان الثلاثي على مصر، و نتائج الحرب العالمية الثانية، و النكبة و النكسة؛ إضافة إلى بعض الروافد الفكرية كالاطلاع على الثقافات الكونية، و تأثر شعرائها بعدة تيارات فلسفية و أدبية ودينية كالرمزية و السوريالية والظاهراتية و الصوفية...

    و لعل من أبرز رواد هذه الحركة نذكر: علي أحمد سعيد (أدونيس)، و يوسف الخال، و أحمد عبد المعطي حجازي، و عبد الوهاب البياتي، و خليل حاوي، و عبد الله راجع...، إضافة إلى صاحب النص الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، و يعتبر من أبرز رواد هذه  الحركة، من مو اليد سنة 1925، تعرض لعدة أزمات كموت أمه و هو صغير السن، و معاناته مع الفقر و المرض...؛ والنص قيد التحليل عبارة عن قصيدة شعرية  تعتمد على نظام المقاطع، والأسطر الشعرية المتفاوتة الطول...، مأخوذة  من ديوان الشاعر "أنشودة المطر".

        ـ ترى ما مضمون هذه  القصيدة ؟ و كيف عبر الشاعر عن رؤياه الشعرية؟ 

       ـ و ما الوسائل اللغوية و الفنية التي وظفها الشاعر في سبيل ذلك؟ و ما وظيفتها في النص؟ 

       ـ  و إلى أي حد استطاع هذا النص أن يمثل خصائص الخطاب الذي ينتمي إليه؟ 

 من خلال الملاحظة البصرية و قراءتنا للعنوان (سربروس في بابل)، و بداية النص و نهايته، و كذا بعض المؤشرات الدالة (يمزق ـ بابل الحزينة ـ الظلام ـ تموز...)، نفترض أن النص عبارة عن قصيدة شعرية تعتمد بنية جديدة قائمة على نظام المقاطع، و الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، ونظام التفعيلة، مع التنويع في القافية و الروي؛ مضمونها تعبير الشاعر عن رؤياه المأساوية حول واقع العراق المأساوي، الذي يسوده الخراب والدمار والألم والمعاناة...

العرض:

     يقدم  الشاعر في هذه القصيدة رؤياه حول واقع العراق المأساوي، و هي رؤيا تقوم على الصراع بين الحياة و الموت، حيث  يصور في المقطع الأول وحشية "سربروس"، و مظاهر الخراب و الدمار التي خلفها في "بابل" التي ترمز إلى العراق.

   أما في المقطع الثاني فيصف الشاعر حالة البؤس و الجوع التي يعيشها أهل العراق و أطفاله، مع تعبيره عن أمله في تحقيق الحياة ـ بطريقة إيحائية رمزية ـ من خلال توظيفه لبعض الأساطير كأسطورة "سربروس" اليونانية، التي تحكي عن وحش مرعب يحكم العالم السفلي، و في هذه القصيدة يخرج من عالمه، إلى عالم الأحياء لينشر الرعب و الموت. كما استحضر السياب أسطورة بابلية هي "تموز" إله الخصب، و حبيبته "عشتار" إلهة الخصب و الحياة، التي تحاول في القصيدة إنقاذ حبيبها لإعادة الحياة، حيث ستدخل في صراع مع "سربروس" الذي نبش قبر "تموز"، و قطعه إلى أشلاء، للقضاء على أمل البعث. و ستضحي "عشتار" بنفسها من أجل جمع تلك الأشلاء لإعادة الحياة "لتموز"/الواقع، إلا أن "سربروس" حاول منعها بنهش لحمها و تمزيق سيقانها...

     ليختم قصيدته بالتعبير في المقطع الثالث عن أمله في تحقيق البعث و الحياة، لكن بعد الموت والتضحية و الفداء، أي تضحية "عشتار"/الشاعر. فالشاعر يعبر عن تجربة الصراع بين الخير والشر/ بين الحياة و الموت، فـ"سربروس" رمز للموت و البؤس و الظلم و المعاناة في العالم العربي، أما "عشتار" فهي رمز الأمل و الحياة. فالشاعر يريد بعث واقعه، و ذلك البعث لن يتم إلاّ عن طريق الفداء و التضحية...

        و بناء على قراءة رؤيا الشاعر في القصيدة يمكن تقسيم معجم  النص إلى حقلين دلاليين هما: حقل دال على الحياة، و من الألفاظ و العبارات الدالة عليه نذكر: الماء ـ الزهور ـ ستولد ـ تمطر ـ تزهر...، و حقل  دال على الموت، و من الألفاظ و العبارات الدالة عليه نجد: سربروس ـ الجحيم ـ الدمار ـ العظام ـ الفناء...؛ و العلاقة بين الحقلين هي علاقة صراع و تنافر، مع هيمنة الحقل الدال على الموت، لأن الشاعر يقدم رؤيا مأساوية لواقعه؛( و الحقلان يعكسان الحالة النفسية للشاعر، وما يعيشه من معاناة و مأساة في واقعه).

    و قد وظف الشاعر معجما سهلا يتميز  بلغة إيحائية تعتمد على التكثيف من خلال توظيف بعض الأساطير كسربروس، و تموز و عشتار، الشيء الذي يبرز رغبة الشاعر  في تجديد  وسائله التعبيرية، و الابتعاد عن الواقعية في التعبير.

     أما على مستوى الشكل فنلاحظ انزياح الشاعر إيقاعيا عن الشكل التقليدي، فقد اعتمدت  القصيدة على بنية جديدة، تقوم على نظام المقاطع، و الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، و نظام التفعيلة، حيث  اعتمد الشاعر على تفعيلة بحر "الرجز" و هي (مُسْتَفْعِلُنْ)، مع التنويع فيها باعتماده على الزحافات و العلل بكثرة، كما يظهر من خلال التقطيع التالي:

فِي بَابِلَ الْحَزِينَة الْمُهَدَّمَة

فِيبَابِلَلْ حَزِينَةِلْـ مُهَدْدَمَهْ

ا0ا0اا0 اا 0اا0 اا0اا0

مُسْتَفْعِلُنْ مُتَفْعِلُنْ مُتَفْعِلُنْ

    و قد عبر الشاعر عن تغيرات أحاسيسه بالتنويع في القافية و الروي، حيث زاوج بين القافيتين المقيدة، من نوع المترادف...



author-img
موقع عالم اللغة العربية

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent