الفصل الرابع: الشكل الجديد
تمهيد:
سيخصص الناقد المعداوي هذا الفصل من كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" للحديث عن الخصائص الشكلية و الوسائل الفنية التي اعتمد عليها الشعر الحديث من أجل التعبير عن تلك التجارب. حيث
يرى الناقد أن الشعر
الحديث خلق وسائل تعبيرية جديدة، بعيدا عن جماليات القصيدة القديمة. كما سيبرز
الناقد علاقة هذا التطور بظاهرة الغموض التي حالت دون انتشار هذه الحركة.
و قد لاحظ أن هناك تقاربا بين طرائق الشعراء المحدثين في التعبير و
في استخدام الصور البيانية، و الرموز و الأساطير، و في بناء القصيدة العام، نظرا لارتباطهم بوحدة التجربة الشعرية، و أن
الشكل في الشعر الجديد ليس تاما من حيث النمو، و إنما هو شكل ينمو مع التجارب الشعرية. إذن فقد
استطاع الشعر الحديث بعد عشرين سنة من النمو أن يتجاوز الشكل القديم على المستويات
التالية:
- اللغة؛
- التصوير البياني؛
- الإيقاع.
1 ـ اللغة:
رفض المعداوي أن تكون خاصية اقتراب لغة الشعر الحديث من لغة الكلام اليومية هي الخاصية الوحيدة كما ذهب إلى ذلك "النويهي"، فهناك خصائص أخرى هي:
أ ـ حضور النفس التقليدي:
فهناك مجموعة من الشعراء المحدثين استعملوا عبارات فخمة و سبكا تركيبيا متينا كبدر شاكر السياب في قصيدتيه "مدينة بلا مطر" و "منزل الأقنان"، حيث وظف كلمات مثل: السقسقات ـ الهسهسة ـ السحاح ـ كفكف...
ب ـ البعد عن لغة الحديث اليومي:
إن لغة الحديث اليومية نفعية، و هدفها هو التواصل؛ أما لغة
الشعر الحديث فتطمح إلى الغموض، و خلق علاقات غير مألوفة، و ليس التواصل، فهي لغة مثالية. و مفردات اللغة تستمد نسقها من الفكر و
الشعور، و ليس من واقع الحياة اليومية. ومثال ذلك قول أدونيس في قصيدته "المسرح
و المرايا":
و نادر
الأسود...
يجلس بين القمر الجائع و البستان
ج ـ السياق الدرامي للغة الشعر الحديث:
لغة الشعر الحديث لغة درامية تتميز بالغموض لاعتمادها على الانزياح، فهي منبثقة من أعماق مأساة
الشاعر ومتجهة إليها، لأنه يعيش صراعا و حوارا مع نفسه، لذلك اعتمد على الهمس و الإيماء و الإشارة، كما في قصيدة "معزوفة
لدرويش متجول" لمحمد مفتاح الفيتوري.
2ـ الصور و الوسائل التعبيرية:
ابتعد الشاعر بالصورة عن اللغة التقريرية الجافة، بتوسيع أفق الصورة عن طريق الاعتماد على الخيال و الثقافة الواسعة، كما ربط بينها و بين باقي الصور، و مثال ذلك قول السياب في قصيدته "أنشودة المطر":
أغابة من الدموع أنت أم نهر؟
و السمك الساهر، هل ينام في السحر؟
فالصورة استمدت حركتها و حيويتها من ثقافة الشاعر، فتحولت إلى رمز، و قد تأخذ نظام الأسطورة في بعديها الدلالي و الإيحائي. فهي إذن مليئة بالمعاني و الدلالات، بالاعتماد التكثيف...، إضافة إلى اعتماد الشاعر على المنهج الأسطوري، حيث وظف الرموز و الأساطير للتعبير عن تجاربه الجديدة في قصيدة الرؤيا.
3ـ تطور الأسس الموسيقية:
كان الشعر الحديث يهدف إلى خلق أساس موسيقي جديد يعتمد على التفعيلة الواحدة، مع عدم التقيد بعدد محدد منها في السطر الواحد. حيث رأى المجاطي أن أهم ما يميز الإطار الموسيقي الجديد هو تفتيت و تفكيك الوحدة الموسيقية القديمة المتمثلة في البيت الشعري ذي الشطرين المتناظرين، و وضع مصطلح مقابل له هو السطر الشعري...