تكسير البنية: تعريفها وعوامل ظهورها وخصائصها و روادها
1ـ تعريف الحركة و نشأتها:
جاءت حركة تكسير البنية في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، من أجل استكمال ما قد بدأته حركة سؤال الذات التي
حاولت تجديد الشعر العربي ففشلت في ذلك، فكان مــــــن الواجب على حركة
تكسير البنية إتمام هذه المهمة. إذ لم يتوقف تطور الشعر عند حــــــــدود التحرر
الجزئي من قيــــود القافية، و تجـــاوز موضوعات و أغــــراض الشعر القديـــم،
بـــل
و كان جوهر هذا الشعر هو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية، و ما يعيشه الإنسان العربي من أزمات و نكبات و معاناة، نتيجة تدهور الواقع العربي، و انحطاطه على جميع المستويات: سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وفكريا، وعسكريا...؛ فجاءت قصيدة الشعر الحر بنظام جديد، جمعت فيه بين الوحدة العضوية، و تناسق موسيقى الألفاظ، و الانزياح، و الشكل الجديد...
2ـ عوامل ظهور تكسير البنية:
ساهمت في ذلك مجموعة من العوامل السياسية و الثقافية و الاجتماعية نذكر منها: تراجع قداسة الشعر القديم، و الاستعمار الغربي للدول العربية، و استنزاف ثرواتها، و نشوء حركات وطنية تحررية، و كذا تدهور الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية، إضافة إلى النكبة الفلسطينية، و نتائج الحربين العالميتين، علاوة عن تأثر الشعـراء ببعض الفلسفات الغربية كالاشتراكية و الوجودية، فضلا عن التأثر ببعض الشعراء والروائيين الغربيين، وكذا التأثر بالصوفية والاطلاع على التراث الكوني...الخ.
كل
هذه العوامل فرضت على الشاعر العربي التغيير، و البحث عن بدائل تعبيرية للخروج من الأزمة، و التأثير في الجمهور العربي، و توجيه أفكاره و سلوكه من خلال وصف الواقع، و
انتقاده و الدعوة إلى تغييره...
3ـ رواد تكسير البنية:
و قد ظهرت حركة تكسير البنية أواخر الأربعينيات من القرن العشرين مع كل من: نازك الملائكة بقصيدتها "الكوليرا" التي نشرتها سنة 1947، و مواطنها بدر شاكر السياب بقصيدته "هل كان حبا"، التي نشرها بعد ذلك بقليل.
ليتبعهما مجموعة من الشعراء نذكر منهم: عبد الوهاب
البياتي من العراق، و صلاح عبد
الصبور، و أحمد عبد المعطي حجازي من
مصر، و أدونيس، و يوسف الخال و خليل حاوي في سوريا و لبنان، و أحمد المعداوي، و عبد الله
راجع، و محمد بنيس و محمد السرغيني في المغرب...
4ـ خصائص الحركة على مستوى المضمون والشكل:
أ ـ شكل القصيدة:
اعتمدت حركة تكسير البنية على شكل جديد يقوم على نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الطول، و نظام المقاطع، و
التفعيلة...، فهو نظام هدم السيمترية
الحادة للبيت التقليدي، ومنح حرية أكبر للشاعر في التعبير...
ب ـ اللغة:
أصبحت اللغة لدى شعراء شعر التفعيلة لغة سهلة، أي أنهم تجنبوا استعمال اللغة القديمة التي
تتميز بالجزالة و الفخامة و الصعوبة. و الغرض من ذلك هو رغبتهم في الوصول إلى
القارئ العربي. و هذا لا يعني أن لغتهم تشبه لغة النّثر، فهي لغة إيحائية تعتمد المجاز و الخيال الشعري وتوظف الانزياح
بكثرة...
ج ـ الصور:
أصبحت الصورة متكاملة تعبر عن تجربة الشاعر، حيث ربط بينها و بين الواقع.